Wednesday, September 30, 2009

الموتى

نشرت في شباب السفير


الموتى على أحسن ما يرام
فلتكفّوا عن وهم أنّهم يفتقدونكم
و أنّهم يزورونكم دوماً:
ما يهزّ النافذة في الليل
ريح الخريف.. لا أيديهم
هذا الصّوت الآتي من المكتبة
يصدر من حشرةٍ
تبني لها بيتاً بين الكتب القديمة
الأحلام التي تشاهدونهم فيها
من صنع رؤوسكم أنتم فقط
*
الموتى يقطنون في أضرحتهم
و جيّدون جدّاً
يتبادلون الأحاديث ليلاً:
يروي كلٌّ منهم مأساةً حدثت في حياته
و يسخرون منها
يضحكون كثيراً من همومهم الصّغيرة آنذاك
*
الموتى من خلف الأحجار السميكة
لا يستطيعون أن يروا وجوهكم
ولا يسمعون شيئاً مما تقولونه في زياراتكم السنويّة لأضرحتهم
ولا تصلهم رائحة باقات الأزهار التي تحضرونها
*
الموتى، مع مرور الوقت،
ينسونكم أيضاً

عتمة



لا شك أنها محزنةٌ هذه الليلة
إذ تلاحظين
أن العتمة
القادرة على إخفاء الخدوش
التي على الحائط
و الغبار الذي على الأرض
عاجزةٌ عن التسرّب
إلى داخلك.
فتدركين فجأةً
لماذا الآن تتألّمين أكثر
كأنّ حينما يحلّ اللّيل
تتجّمع كلّ أضواء العالم
و تتسرّب إلى خلاياك
و تصبح فجأةً
شبيهةً بفلاشات الكاميرات
تعيد التقاط مشاهد من الذاكرة
و عرضها مرّةً تلو المرّة
ولهذا تشعرين الآن
بهذا الكم من الحنين.
لا شكّ أنّها محزنةٌ هذه الليلة
إذ تتمنّين
لو أنّ العتمة
القادرة على إخفاء الأشياء المبعثرة
في الغرفة
تفعل ذلك بالأشياء المبعثرة
في داخلك

Thursday, September 03, 2009

متسعٌ من الوحدة

نشرت في شباب السفير


للوحيدين غرفٌ
حيطانها ليست باهتةً بالضرورة
و لمباتها ليس فيها لمعانٌ زائد أو ناقص
لكن ثمة شعاعٌ غير مرئيّ
يخرج من أعينهم
ليجعل ألوان لوحة الحائط
بائخةً أكثر مما هي عليه
و البلاط
أكثر لمعاناً
*
نوافذهم لا تطلّ على شوارع هادئة بالضرورة
لكنهم يلاحظون جيّداً:
صوت شاحنة النفايات المارّة بمحاذاة المنزل فجراً
أصوات القطط المتعاركة في الخارج ليلاً
و زمّور السيارة التي تتوقّف أمام منزلٍ مجاور
وفيها أحدٌ ينتظر أحداً ما
*
لديهم متسعٌ من الوقت
ليقدّروا قوّة الهواء
من مدى تمايل أغصان الأشجار

لديهم متّسعٌ من الحزن
ليحسبوا أنه دائماً بارد
*
قلّما يبكون
لكنّهم كثيراً ما يشعرون برغبةٍ شديدةٍ في ذلك:
لحظة يفتحون أبواب غرفهم
عائدين إليها بعد يوم عملٍ ممل
أو حين يصحون من قيلولةٍ طويلةٍ
ظانّين أنه الصباح
*
لديهم متّسعٌ من الوقت
ليتذكّروا كلّ الأشياء
من الحيوات التي مضت

لديهم متّسعٌ من الحنين
ليفتقدوا كلّ الأماكن و الأشخاص
في وقتٍ واحد
*
ليسوا حزينين بالضرورة،
كثيراً ما يشعرون بومضة من سعادة مفاجئة
تأتي أحياناً من موسيقى أغنيةٍ ما
أو من دفء لحاف السرير
أو من نبتةٍ يسقونها
عندما يعودون من الخارج
*
حيطان غرفهم ليست باهتةً بالضرورة
و لمبات غرفهم ليس فيها لمعانٌ زائد
لكن ثمة شعاعٌ غير مرئي
يخرج من أعينهم
ليجعل لون السّتارة أغمق مما هو عليه
وانعكاس وجوههم في زجاج النوافذ
أقوى كذلك
*
ليسوا حزينين بالضرورة
لكن لديهم متّسعٌ من الوقت
ليفكّروا كم هم حزينين