Wednesday, July 28, 2010

حين يعبرونه

نشرت في شباب السفير



و لشارع الحمراء قدرات إلهية

يحتفظ بها في سرّه

ينصت إلى صلوات أرواحنا

و يستجيب إليها دون أن نطلب ذلك

ولهذا نشعر أحياناً بفرحٍ غامضٍ يعبرنا كبرقٍ مفاجئ

تليه أمطارٌ من السلام

تتساقط بغزارةٍ في داخلنا

*

كلّ مساءٍ يترصّد العشّاق العابرين

ويباركهم واحداً واحداً

ولذلك يسري فجأةً كثيرٌ من الدفء بين الكفوف المتعانقة

ولذلك تلمع فجأةً عيونٌ كثيرة

*

بينه و بين الوحيدين الكثير من الأسرار أيضاً

حين يعبرونه

تمتدّ ذراعٌ خفيّةٌ لتحيط بأكتافهم

وتتكوّن حول قلوبهم

هالةٌ من ضوءٍ دافئ

*

ولشارع الحمراء روحٌ ينفخ منها في روح كلّ عابرٍ

ولذلك نشعر فجأةً بالكثير الكثير من الحياة

يراقب تعابير وجوهنا واحداً واحداً

و يمدّ كفّه الخفيّة ليسحب الحزن من أرواحنا

*

ولشارع الحمراء قدراتٌ إلهيةٌ

تستطيع أن تعبر جميع المدن و البحار أيضاً

ينصت إلى صلوات أرواحنا عن بعد آلاف الأميال

ولذلك تلمع فجأةً في قلوبنا المتعبة ذكرى جميلة

ولذلك تبتسم فجأةً الكثير من الوجوه البعيدة

Sunday, July 25, 2010

انتهى كل شيء

نشرت في ملحق النهار

ربّما وحدي أشعر بذلك

أتأمّل القطرة الأخيرة في زجاجة البيرة

التي سأنهيها الآن

والسيجارة التي أطفأتها لتوّي

وأتمنّى لو أنّ الحبّ أيضاً ينتهي بالطريقة نفسها

لو أنّك تتلاشى من رأسي نهائياً

كما هذا الدخان المتلاشي في الهواء

لو أنّني يمكنني الإنتقال إلى حبٍّ جديد

ببساطة الإنتقال إلى زجاجة بيرة أخرى

ببساطة الإشارة إلى النّادل:

"حبّاً جديداً لو سمحت"

انتهى كلّ شيء

شيءٌ ما كان يتغيّر تدريجيّاً

وكنت أعرف ذلك

تماماً كما تدرك النبتة أنّها تحتضر

وهي تراقب لونها الأخضر يبهت تدريجيّاً

ويؤلمها عجزها عن فعل أيّ شيء

تماماً كما تنبسط كفٌّ زهقت روح صاحبها للتوّ

وهي عاجزةٌ عن التشبّث بأيّ شيء

كان من الأجدى أن أراقب الوردة جميلةً عن بعد

لكنّني بسذاجة الأطفال قطفتها

وأنا أعرف أنّ مياه المزهريّة لا تعادل جذورها

وأنّني أقتلها قبل أوانها

كان من الأجدى أن أصدّق نشرة الأحوال الجوّية

لكنّني بحماسة المراهقين

انطلقت بقاربٍ متهالك القوى إلى منتصف البحر

وأنا أعرف أنّي سأهلك لا محالة

ها أنا في الحانة

أتأمّل انعكاس وجهي على زجاج الطاولة

وأفكّر بكميّة الوجوه التي تنعكس يوميّا على البقعة نفسها

وأتمنّى لو أنّ الحبّ ينعكس بالطريقة نفسها على قلبي أيضاً

لو أنّه يختفي تماماً

ببساطة اختفاء وجهي

حين أنهض بعد قليل

ها أنا محاطةٌ بالغرباء

بكثيرٍ من الوجوه العابرة التي لا تعني لي شيئاً

وأتمنّى لو أنّك فجأةً تصبح واحداً منهم

أفكّر كم هم رائعون الآن

أكاد أصرخ لهم جميعاً أنّي أحبّهم حقّاً

لبساطة أنني لا أحفظ تفاصيل وجوههم

و أن لا ذكرى تجمعني معهم

وأني لن أفكّر في أيّ منهم وأنا أحاول النوم لاحقاً هذه الليلة

غداً سوف أصحو بصداعٍ حاد

ورأسٍ ثقيل

و قلبٍ منهك

فأقسم بأنّي لن أشرب ثانية

تماماً كما أقسم كلّ ليلةٍ، في طريقي إلى الحانة،

بأنّي لن أنتظرك ثانية

تماماً كما يمضي نهارٌ آخر

وأنا أنتظرك

ها أنا أغادر الحانة

أتأمّل تعليقة المعاطف الخالية خلف الباب

وأتمنّى لو كان يمكنني حين دخلت

أن أعلّق أفكاري على واحدةٍ منها

لأقضي الليلة متخفّفة من ثقلها

ها أنا في الطريق إلى المنزل

الجبال التي كانت واضحة هذا الصباح

تختفي الآن خلف الظلام

كما لو أنّها ليست هناك حقّاً

كم أتمنى لو أنّ الحبّ أيضاً، حين يحلّ الّليل،

يختفي من قلبي بالطريقة نفسها

انتهى كلّ شيء

ربّما وحدي أشعر بذلك

ولسنا بحاجةٍ إلى مناقشة الأمور

ولست بحاجةٍ إلى اتّخاذ القرارات هذا المساء

ثمّة شيءٌ ما يؤكّد ذلك

ربّما هذا المطر الخفيف الّذي يطرق برفقٍ على زجاج السّيارة

كمعجزةٍ في صيف هذه الصّحراء

ربّما هذا الهواء الّذي هبّ فجأةً يحرّك الأشجار

كما لو يقود ثورتها على روتين ذاكرتها الممل

ربّما هذه الورود الزهرية التي تطلّ عليها نافذة غرفتي

و التي لاحظت الآن فجأةً أنّها كبرت كثيراً

فأدركت كم كنت مشغولةً بمراقبة ألمٍ يكبر في داخلي

ربّما قلبي الّذي سكبت لك منه ما يفوق قدرتي

متناسيةً ذلك الصّدع في كأسك

ربّما قلبي الّذي يتآكله دود الفراغ على مهلٍ

و تتناهشه مخالب الملل بلذّة

ربّما قلبي الّذي أدرك فجأةً كم أنّ الحبّ وهمٌ

تصنعه قلوبنا تماماً كما يصنع المؤمنون آلهتهم

انتهى كلّ شيء

وللمرّة الأولى

أشعر أنّي حقّاً أصدّق ذلك.

Sunday, July 11, 2010

كما يغلق بابٌ على يدٍ بالخطأ


آخذ أقلّ الطرق تحفيزاً للذاكرة

ليس في قلبي متّسعٌ لألمٍ أكثر هذا الصباح

بالأمس وأنا أصعد درج المنزل ليلاً

كانت خطوات قدميّ أثقل

وحين دخلت غرفتي

كانت النّافذة أضيق كثيراً

*

بالأمس لم تلاحظ أنت

أنّك، كما يغلق بابٌ على يدٍ بالخطأ،

أغلقت الباب على قلبي

لكنّي لم أصرخ

فقط تخيّلته كحليّاً

وشعرت به متضخّماً

لذلك كان المصعد، و أنا أغادر، معتماً أكثر

وأبطأ قليلاً

*

لكنّ الطّريق إلى المنزل لم تكن أطول

والسّماء لم تكن أكثر سواداً

فقط

الملل نفسه عاودني ثانيةً

بوحشيّةٍ أكثر هذه المرّة

متجوّلاً في المدينة كما كينج كونج

متجّهاً بقدميه الضخمتين نحو غرفتي

*

بالأمس حين غادرت

كنت، للمرّة الأولى، وأنا أبتعد

أبتعد حقّاً

هذا الصّباح قرّرت أن أشتري نبتةً جديدة

أسقيها ريثما تستعيد الغرفة ألوانها

وأن أترك النافذة مفتوحةً

ريثما يصبح هواء الغرفة أخفّ قليلاً

وأن آخذ أقلّ الطرق تحفيزاً للذاكرة

فقط ريثما تصبح شوارع المدينة متشابهة حقّاً