Tuesday, May 15, 2012

الرجل الّذي مات هذا الصّباح


نشرت في ملحق النهار

الجحيم

في طفولتي، أخبروني بأنّه عليّ أن أصلّي لكي لا يضعني الّله في النّار، حتّى أنّهم كانوا يقولون أنّ اللّه سوف يمدّ حبلاً من السّقف ليلاً ليخنقني إن كذبت..
لم أكن أكذب كثيراً..غير أنّي كنت، كلّما استلقيت في سريري وواجهت السّقف، تملّكني خوفٌ شديد.
كنت أفكّر بأبي وأمّي الّلذين لم يكونا يصلّيان خمس مرّاتٍ في اليوم وكنت أشعر بالكثير من الحزن إذ أتخيّلهما يحترقان في الجحيم. كان ذلك شعوراً شديد القساوة..كنت طفلةً.. فصدّقت ذلك بسهولة، وحزنت لوقتٍ طويل.
الآن.. أشعر أنّي تحرّرت من الخوف والقلق والحزن ذاك.. لكنّي كثيراً ما أتمنّى لو أنّهم لم يخيفوني بهذه الطّريقة حين كنت صغيرة، لأنّه كان من الممكن أن أمضي ليالٍ كثيرة وأنا أتخيّل، قبل أن أغفو، أشياء أجمل من حبلٍ يمتدّ من سقف الغرفة.

الآن أتخيّل أشياء أجمل، ولا أبالي بأسباب الوجود..


*


الكون

قرب الشاطئ، جلسنا نتحدّث عن الكون.. فكّرا في حياة الذباب، قال عبدالله.. ما الّذي يغيّره موت ذبابةٍ في هذا العالم الكبير؟ فكّرا في الفايروسات الّتي تعيش بضع ساعات فقط.. نحن، البشر، فايروسات كذلك.. لا أكثر..
لسنا فايروسات، قال حسين معترضاً.. لغزنا الكبير هو الوعي.. وعي الإنسان لنفسه.. عرّفوا لي الوعي، أعرّف لكم الّله..
على مقربةٍ منّا، كان الموج لا يزال يصطدم بالشاطئ، غير عابئٍ بأحاديثنا، نحن الثلاثة، الجالسين نناقش الكون، حول طاولةٍ صغيرةٍ، في هذا العالم الكبير.


*


الحياة

هي هكذا ببساطة: الوحيد يرى سريره الفارغ جحيماً، والمتزوّج يتذمّر، بعد حينٍ، من ضيق السّرير.. العامل يتذمّر من قوانين العمل، والعاطل عن العمل يشتاق يوم كانت تفرض عليه القوانين. الوحيدة تحلم بقصّة عشقٍ جديدة، والعاشقون، الماضون في صراعاتهم اليوميّة، يشتاقون يوم كانوا وحيدين..
هي هكذا ببساطة:
ليس ثمّة سعادة في نهاية الطّريق.


*


خيارات

في الطّريق أمامي خياران: أن أستمع إلى الموسيقى أو لا أفعل..في الحالتين، أصل إلى حيث أذهب.. في البيت أمامي خياران: أن أفتح النّافذة أو أبقيها مغلقةً.. في الحالتين، الهواء لا يبالي بقراري..
الآن أمامي خياران: أن أتّصل بك أو لا أفعل..في الحالتين سوف يمضي اليوم ويأتي الغد.
في الليل خياراتي الصّغيرة تلك تتحوّل أحلاماً أو كوابيس..
في الّليل فقط، أدرك الفرق..


*


الكاميرا

تغادرني الكاميرا.. تصعد إلى أعلى.. خارج المدينة.. إلى أعلى.. خارج الكرة الأرضية.. خارج الكون.. فأًصبح تقريباً لا شيء.
الموسيقى الّتي أسمعها في سيّارة مغلقة النّوافذ لا يسمعها أحدٌ غيري. الإشارة الحمراء الّتي أتوقّف عندها.. ضوؤها، من على علوّ غيمة، يكاد ينتفي تماماً.. قلبي الّذي ينبض، هو الآخر لا يسمعه أحدٌ سواي..
تغادرني الكاميرا، نحو أبعد، نحو أعلى، حتّى لا يعود يسمعني أو يراني أحد، حتّى أصبح تقريباُ لا شيء.

*


صباحٌ آخر

الآن، أما وقد استيقظت، فها إنّي أفكّر، بكلّ جدّيةٍ، بالأشياء الّتي تزعجني هذا اليوم.. أسترجع الأفكار الّتي رافقتني نحو النّوم ليلة أمس.. والأثر الّذي تركته أحلام الّليل في قلبي.. وأعرف: غداً سوف يأتي صباحٌ آخر وسأفكّر بالأشياء نفسها أو بأشياء أخرى، بذات الجدّيّة، كأنّ كلّ يوم هو الأهمّ من بين الأيّام..
رغم ذلك كلّ يوم أتذمّر، بذات الجدّيّة، من ملل الحياة.


*


الفيلم


الرّجل الّذي مات هذا الصّباح أصبح بطلاً في التلفاز هذا المساء.. في الصّباح، كان يقول أشياء عن نفسه.. في المساء أحدهم يتحدّث عنه بصيغة الماضي.

من النّافذة
يصلني صوت العصافير
الّتي تستمرّ من بعده

الرّجل الّذي مات هذا الصّباح ربّما لن يعرف نهاية الفيلم، الّذي لا نعرف إن كان سينتهي حقّاً.. وحده الّله يعرف النّهايات لأنّه هو الّذي يضعها.

الرّجل الّذي مات هذا الصّباح
سريره الأن هادئ
وقلبه كذلك.