Tuesday, August 21, 2012

أربع سنوات من دونك



نشرت في ذكرى درويش في شباب السفير مع رسم لأمل كعوش 

(إلى محمود درويش)


ربّما أنت هناك الآن
تراقب الأحداث من بعيد
وبصمت إلهٍ
تقرّر ألّا تفعل شيئاً..

ربّما تظنّ أنّ الشعر
مضيعة للوقت:
فالأبديّة لا توصف باللغات..
و"الموت" بعد الموت
لا يسمّى موتاً:
اللّغة تفقد ما يحدّدها..
والكلمات تفقد ما تعنيه
فلا تعني شيئاً..

ربّما تراقب العالم من بعيد
وهو ينقضّ بنفسه على نفسه
ليفترس نفسه..
ربّما تفكّر:
كيف لا يدرك سكّان الأرض
أنّهم أعداء أنفسهم..
ولا شيء آخر..

تستغرب من نفسك:
على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة؟

ربّما
لا تبالي بأحد
لأنّك يائسٌ من هذا العالم
وقد أكملت واجباتك كاملةً قبل أن تمضي..
فيحقّ لك الآن أن تتقاعد..

ربّما
فقط من وقتٍ إلى آخر
(أو هكذا يحلو لنا أن نصدّق)
يباغتك الحنين من حيث لا تدري..
فتقرّر أن تكون نسيماً
يعبر، بكامل حرّيته،
من الكرمل إلى بيروت

ربّما فقط.. أحياناً..
(أو هكذا يحلو لنا أن نتخيّل)
تكتب قصيدةً
وترسلها إلينا
عبر شعاع الشّمس..

  

Friday, August 03, 2012

مرثيّة


 إلى جدّي* في ضريحه اللاجئ


(1)

إذاً..
يوم الغد
المسحّر لن ينادي اسمك
في الحيّ
عند الفجر

وعصاك..
المسنودة على الحائط
ستظلّ تنتظر يديك
إلى الأبد

صوتك
لن يخبرني قصص فلسطين
في زيارتي القادمة

ولأنّك أنت العيد،
لن يكون ثمّة عيد بعد الآن 

(2)

بالأمس حين توقّف قلبك
حيفا، بحاسّتها السّادسة،
عرفت

رياحٌ غامضةٌ هبّت هناك فجأةً:
الأحجار،
في عمق البحر،
حاولت أن تطفو إلى الأعلى لتبحر نحوك
الأشجار
حاولت أن تغادر جذورها
لتذهب إليك

في المنزل الّذي كان بيتك هناك
عتمةٌ شديدة حلّت فجأة:
لعنة ستلاحق ساكنيه
إلى الأبد

في حيفا ليلة أمس
القمر خبّأ نفسه خلف غيمة
والشّمس استيقظت بصعوبةٍ
هذا الصّباح

(3)

تغادر سريرك
للمرّة الأخيرة..
محمولاً على الأكتاف..
مغمض العينين

جسدك يهبط إلى قبره:
التّراب ينهال عليك /
أحدهم يحفر اسمك برفقٍ
على شاهدة الضّريح..

مطرٌ خفيٌّ
ينهمر بغزارةٍ
في المكان

جسدك يهبط
إلى ضريحه اللاجئ الآن..
وفي ذات اللّحظة في حيفا،
يولد طفلٌ جميلٌ
له عيناك الزرقاوان
واسمٌ مثل اسمك
مسقط - 1 آب 2012

*محمّد محمود عبد الجابر: ولد في حيفا عام 1923، ولجأ إلى لبنان عام 1948 حيث مكث حتّى تاريخ وفاته 31 تموز 2012، وكان ما زال، حتّى الّلحظة الأخيرة، يحلم بفلسطين..