Friday, March 18, 2016

شام

كان أبي يوقظني فجأةً
في يوم العطلة
في السّادسة صباحاً
لنذهب بالسّيارة
إلى الشّام
نافذتنا الوحيدة
نحن
حاملي وثائق سفر اللاجئين
العاجزين عن الذهاب بسهولةٍ
إلى أيّ بلاد
ولم يكن الأمر،
لفرط زياراتنا،
يحتاج تخطيطاً..
وقد أصبحنا أصدقاء أصحاب الفندق
حيث كنّا نسكن
ونادلي المطعم
والبائعين

اليوم
يؤلمني شعورٌ بالفقد
تؤلمني الطرقات والأزقّة
تؤلمني البيوت
والمقاعد الخشبيّة
وأشجار الياسمين
تؤلمني نشرة الأخبار
تؤلمني الأغاني كلّها
والذكريات..
تؤلمني قصائد نصري* عن شام
شام ذات الأعوام القليلة
الّتي ذات يوم
ستفهم اسمها جيّداً
فتفرح وتحزن كثيراً..
شام ذات العينين الخضراوين
الفلسطينيّة السوريّة
التي ستحتار أيّ الوطنين
تفتقد أكثر..
شام الّتي سأحلم لها
أن يوقظها أبوها
مثلي
فجأةً
في السادسة صباحاً
ذات يومٍ قريبٍ
للذهاب معاً إلى الشام


* شام هي ابنة المخرج الفلسطيني نصري حجاج

Psychopaths

بعكس ال psychopaths
الذين لا يتعاطفون مع أي حدثٍ
مهما كان مؤلماً
بعكسهم
أتعاطف مع الجميع
فمرةً رأيت أشلاءً في التلفاز
فبقيت أحلم بها عاماً كاملاً
ومرةً رأيت فيديو لرجلٍ يعذّب كلباً
فأصبح لدي رغبة بأن أحضن كل كلب
أصادفه في الطريق
وحين أرى غابة تحترق
اتألّم ألم الأشجار المحترقة
والأعشاب الصغيرة
التي لم تأخذ فرصتها لتكبر
وإن رأيت نملةً على الأرض
وأنا أسير في الحديقة
أمر
ّ من فوقها بحذرٍ
كي لا يصيبها مكروه
وحتى حين تقع الأشياء في البيت
عن طريق الخطأ
كالوسادة مثلا 
أحملها برفقٍ وأعيدها إلى مكانها
كما لو اعتذار
ولذلك حين افكر بالحروب التي تعمّ العالم
بالناس الذين يقتلهم الجوع
ان لم تفتّتهم قذيفةٌ أو صاروخ
أتساءل هل قلوبنا كلنا مصنوعة من المادة نفسها
أم أنّ جميع من يديرون العالم
هم
psychopaths في نهاية الأمر


حين تمطر في الصحراء

حين تمطر في الصحراء
يستنفر السكّان:
فالحدث استثنائي..
يقلقون ويفرحون في آنٍ معاً
كما في "السعادة.. أو سلسلة انفجارات هزّت العاصمة"*..
يتناقلون الصّور والأخبار
كما لو أنّه المطر الأوّل
كما لو أنّه المطر الأخير..

حين تمطر في الصّحراء
ينهض الموظفون عن مكاتبهم
ويقترب الجميع من النوافذ:
فرصةٌ للخروج من سجن يومهم الإعتياديّ..

الأطفال يبكون خوفاً
رغم أنّهم لا يعون
فكرة انتهاء العالم

الأمّهات قلقات على أبنائهن
والأبناء على أمّهاتهم
والعشاق على بعضهم:
العاصفة فرصة
لإيقاف الزمن السّريع
لبعض الوقت

أمّا المدينة فهي سعيدةٌ بظهورها في الأخبار
أكثر من العادة
لكنّها تحصي الأضرار التي أصابتها
في سبيل ذلك

أبوظبي، 2016

*"السعادة أو سلسلة انفجارات هزّت العاصمة" هي رواية للكاتب الفلسطيني سامر أبو هواش




إلى رشا حلوة


صدقيني
إنني أحاول كلّ يومٍ
لكن
من دون جدوى

ربّما لأنّني لا أمشي
في الشوارع بما يكفي..
فالمدينة حارّة معظم الوقت
والشوارع مصمّمة لمرور السّيارات
وحسب

وحتّى حين أتجوّل في الحدائق
أبحث من دون جدوى كذلك
فعمّال النظافة لديهم تعليمات
أن لا يتركوا أيّ شيءٍ زائدٍ عن المكان

والأشجار والورود
مشذّبةٌ لدرجة أن لا نعرف الفرق
بين الحقيقيّة منها
والإصطناعيّة

وطبعاً ليس منطقيّاً
أن أبحث في المراكز التّجاريّة الضخمة
فالهدف أن أجد ما صنعته الطبيعة
بنفسها فقط

لكنّني،
رغم أنّي قد تعبت حقّاً،
لن أتوقّف عن البحث
فلا بدّ أن أجد
ذات يوم
قلباً واحداً حقيقيّاً
في الشارع