Wednesday, December 09, 2009

تخيلي




تخيّلي،
أقول لنفسي،
أن الّليلة
ثمّة ملائكةٌ تتوزّع
على الطرقات
لتمنع السّيارات من الإنزلاق
إن السماء أمطرت
و على النّوافذ
لكي تجعل القلقين
يؤمنون بالسّماء
و لو قليلاً
و على الوسائد
لتمنح الأرقين
بعض السلام الداخلي
و على الأبواب
لتمنح الوحيدين
العائدين إلى غرفهم
بعض السعادة الغامضة
و بعد هذا
إن لزم الأمر
شاهدي
"أميلي "
مرّة جديدة
و نامي عميقاً

Wednesday, November 18, 2009

مطر

نشرت في شباب السفير

حين تمطر في بيروت



ليس حزناً
هذا الذي أشعر به
حين أعرف أنها تمطر الآن في بيروت
لكنه الحنين الذي يصبح أضعافاً
مالئاً رئتيّ و الهواء
إذ أتخيّل الطرقات
و قد أصبح لونها أكثر حدّةً
و الأرصفة برماديّها الغامق
ترشق مياهً تحت أقدامٍ مستعجلة
و ذلك العتم الّذي، حتى في وضح النهار،
ترتديه المدينة
كمعطفٍ طويل
ليس حزناً
لكنه الحنين
إذ أرغب بأن أتقلّص فجأةً
لأصبح قطرة مطرٍ تصنع طريقها ببطء
على زجاج نافذة
أو على ورقة شجرة
أو على مظلّةٍ،
من فرط افتقادها للمطر،
قررت أن تجوب المدينة سيراً
هذا المساء





لكن المطر في حيفا



مطرها يثير فيّ حزناً شديداً
إذ يصعب،
مهما حاولت إقناع نفسي بأن رائحته على الطرقات
تتشابه في كل المدن،
يصعب أن أتخيّل ذلك حقّاً
أو أن أصدّقه
لأنّي لم أكن يوماً وراء تلك النافذة
و لم يكن مطرٌ فوق ذاك السقف
في ذاك المنزل
الّذي لم أدخله أو أغادره ذات صباح
و كم يصعب أن أتخيّل
لأنّ روح المدينة في الشتاء
يشعر بها أولئك الّذين جالسين قرب مدفأة
ينصتون بصمتٍ إلى هفيف الرّياح
و أولئك الّذين يعودون إلى منازلهم مبلّلين
و أولئك الّذين، تحت ملاءاتهم الدافئة،
يتأففون من رنّة منبّهٍ يوقظهم في صباحٍ بارد
و أولئك الّذين يعرفون الطرق الأقلّ خطورةً
حين تشتد العاصفة
و أولئك الّذين يعرفون جيّداً
كيف تكون رائحة الطرقات
حين يهطل المطر في حيفا ذات صباح

Thursday, November 05, 2009

لا أريد القليل منك

نشرت في شباب السفير

القليل منك
يجعلني أكثر مللاً
لأني حين أعرف أنك آتٍ لوقتٍ قصير
أنتظرك كثيراً..
قل لي بأنك لن تأتي أبداً
دعني أملّ من أشياء عاديّة
كبطء وتيرة الأحداث في مسلسلٍ تلفزيوني
أو كالهدوء المفرط في الحيّ الذي أقطن فيه
الملل من أشياء كهذه
يسهل التخلّص منه
فلتتركني وشأني
قل لي بأنك لن تأتي..
الملل و أنا أنتظرك
يغمر المدينة
كفيضانٍ جائع
يصعد صوب نوافذي
ويغرق كل ما في غرفتي من أشياء
الملل يتفشى في داخلي
كسرطان
فلتتركني وشأني
أحتاج مللاً هادئاً
كزكامٍ موسمي
مللاً عاديّاً جدّاً
كبقعة مياهٍ
خلّفها المطر
وتلمع فيها أشعة شمس
ظهيرة يومٍ ممل

Wednesday, September 30, 2009

الموتى

نشرت في شباب السفير


الموتى على أحسن ما يرام
فلتكفّوا عن وهم أنّهم يفتقدونكم
و أنّهم يزورونكم دوماً:
ما يهزّ النافذة في الليل
ريح الخريف.. لا أيديهم
هذا الصّوت الآتي من المكتبة
يصدر من حشرةٍ
تبني لها بيتاً بين الكتب القديمة
الأحلام التي تشاهدونهم فيها
من صنع رؤوسكم أنتم فقط
*
الموتى يقطنون في أضرحتهم
و جيّدون جدّاً
يتبادلون الأحاديث ليلاً:
يروي كلٌّ منهم مأساةً حدثت في حياته
و يسخرون منها
يضحكون كثيراً من همومهم الصّغيرة آنذاك
*
الموتى من خلف الأحجار السميكة
لا يستطيعون أن يروا وجوهكم
ولا يسمعون شيئاً مما تقولونه في زياراتكم السنويّة لأضرحتهم
ولا تصلهم رائحة باقات الأزهار التي تحضرونها
*
الموتى، مع مرور الوقت،
ينسونكم أيضاً

عتمة



لا شك أنها محزنةٌ هذه الليلة
إذ تلاحظين
أن العتمة
القادرة على إخفاء الخدوش
التي على الحائط
و الغبار الذي على الأرض
عاجزةٌ عن التسرّب
إلى داخلك.
فتدركين فجأةً
لماذا الآن تتألّمين أكثر
كأنّ حينما يحلّ اللّيل
تتجّمع كلّ أضواء العالم
و تتسرّب إلى خلاياك
و تصبح فجأةً
شبيهةً بفلاشات الكاميرات
تعيد التقاط مشاهد من الذاكرة
و عرضها مرّةً تلو المرّة
ولهذا تشعرين الآن
بهذا الكم من الحنين.
لا شكّ أنّها محزنةٌ هذه الليلة
إذ تتمنّين
لو أنّ العتمة
القادرة على إخفاء الأشياء المبعثرة
في الغرفة
تفعل ذلك بالأشياء المبعثرة
في داخلك

Thursday, September 03, 2009

متسعٌ من الوحدة

نشرت في شباب السفير


للوحيدين غرفٌ
حيطانها ليست باهتةً بالضرورة
و لمباتها ليس فيها لمعانٌ زائد أو ناقص
لكن ثمة شعاعٌ غير مرئيّ
يخرج من أعينهم
ليجعل ألوان لوحة الحائط
بائخةً أكثر مما هي عليه
و البلاط
أكثر لمعاناً
*
نوافذهم لا تطلّ على شوارع هادئة بالضرورة
لكنهم يلاحظون جيّداً:
صوت شاحنة النفايات المارّة بمحاذاة المنزل فجراً
أصوات القطط المتعاركة في الخارج ليلاً
و زمّور السيارة التي تتوقّف أمام منزلٍ مجاور
وفيها أحدٌ ينتظر أحداً ما
*
لديهم متسعٌ من الوقت
ليقدّروا قوّة الهواء
من مدى تمايل أغصان الأشجار

لديهم متّسعٌ من الحزن
ليحسبوا أنه دائماً بارد
*
قلّما يبكون
لكنّهم كثيراً ما يشعرون برغبةٍ شديدةٍ في ذلك:
لحظة يفتحون أبواب غرفهم
عائدين إليها بعد يوم عملٍ ممل
أو حين يصحون من قيلولةٍ طويلةٍ
ظانّين أنه الصباح
*
لديهم متّسعٌ من الوقت
ليتذكّروا كلّ الأشياء
من الحيوات التي مضت

لديهم متّسعٌ من الحنين
ليفتقدوا كلّ الأماكن و الأشخاص
في وقتٍ واحد
*
ليسوا حزينين بالضرورة،
كثيراً ما يشعرون بومضة من سعادة مفاجئة
تأتي أحياناً من موسيقى أغنيةٍ ما
أو من دفء لحاف السرير
أو من نبتةٍ يسقونها
عندما يعودون من الخارج
*
حيطان غرفهم ليست باهتةً بالضرورة
و لمبات غرفهم ليس فيها لمعانٌ زائد
لكن ثمة شعاعٌ غير مرئي
يخرج من أعينهم
ليجعل لون السّتارة أغمق مما هو عليه
وانعكاس وجوههم في زجاج النوافذ
أقوى كذلك
*
ليسوا حزينين بالضرورة
لكن لديهم متّسعٌ من الوقت
ليفكّروا كم هم حزينين

Saturday, July 18, 2009

Friday, July 17, 2009

عن الأحلام

نشرت في شباب السفير

وحين ترى أنك أضعت
قلادتك الفضية
تضع يدك على عنقك
حين تصحو
لتتأكد
*
وقد ترى وجهاً
يقول لك شيئاً
يتردّد في رأسك
طيلة النهار
دون أن تفهم
*
وكثيراً ما تشعر
حين تصحو
بحزنٍ شديد
لسببٍ لا تعرفه
أو حنينٍ إلى شيء
لا يمكنك تحديده
*
وقد تسمع صوتاً
أو ترى شخصاً
أو شيئاً
فتتذكّر فجأةً
*
أحياناً وأنت تنظر مفكّراُ بأي شيء
نحو أي شيئ
كسقف الغرفة
أو رصيف الطريق
يومض مشهدٌ في ذاكرتك
*
أحياناً
تحاول جاهداً أن تتذكر
دون جدوى
لكنّ الأشياء
تقبع في زاويةٍ مخفيّةٍ في رأسك
و تفسّر نفسها
خلال نهارك
بطريقةٍ ما

الصبارة ماتت يا أمل

نشرت في شباب السفير


الصبّارة ماتت يا أمل
منذ فترةٍ
و أخضرها آخذٌ بالشحوب
لكنّي ظننتها مثلي
تمرّ بأسبوعٍ سيّءٍ وحسب
و لم أفعل شيئاً
ماتت
و كان صعباً أن أكتشف ذلك
فليس ثمّة نبض لأتفقّده
و لا برودة جلدٍ لأشعر بها
ماذا أفعل الآن يا أمل؟
كيف أتخلّص من شعوري بالذنب
و كيف لا أشعر بحزنٍ شديد؟
بالأمس اكتشفت أنها ماتت
سقيتها مجدّداً
و تركتها على طرف النافذة في مكانها
وها أنا أعمل على إقناع نفسي
أنّها تمر مثلي بيومٍ سيّءٍ وحسب
و أن الشّمس ظهر اليوم
ستعيد أخضرها كما كان

Friday, May 29, 2009

وحدة

نشرت في شباب السفير


كفّي انغماساً في ذاتك
كفّي عن التفكير في ما تحبّين
وما لا تحبّين
ما يجعلك سعيدة
وما يحزنك
اقرئي الجريدة كل يوم
وتابعي نشرة الأخبار
ثمّة الكثير من الأمراض
والكوارث الطبيعية
والحروب
ثمّة ما يحزن
أكثر من أنك تشعرين بالوحدة
في هذه الغرفة
انظري إلى العمّال في الشارع المقابل
راقبي كيف يمضون ساعات
والشمس تطرق رؤوسهم
وهم يبنون بيوتاً لن يقطنوا فيها
ثمّة ما يؤلم
أكثر من أنك تفتقدين أحداً ما
ثمّة ما يحزن
أكثر من أنك تشعرين بالوحدة
في هذه الغرفة

Wednesday, May 13, 2009

عن شارع الحمراء مرة أخرى

نشرت في شباب السفير



و لشارع الحمراء طقوسه الخاصة في الحزن و الفرح

إذ ليس لأشعة الشمس أو تراكم الغيوم يدٌ في ذلك

*

وتحاول جاهداً أن تفسر:

الغبار على زجاج كشك بائع الجرائد

كوبٌ بلاستيكي يتأرجح قرب باب مقهى

ضوءٌ أحمر خافت خلف زجاج حانة

و تحاول كثيرا

لكنك لا تفهم

*

و لشارع الحمراء طقوسه في الدفء و البرد أيضاً

و ليس للفصول دورٌ في ذلك

*

يحدث أن يشعرك المطر الغزير

من على مقعدك في الحانة

بدفءٍ كثير

شبيهٍ بدفء سجّاد ممرّات الفنادق الصغيرة

و يحدث

أن تجلس في غرفة الفندق

وحدك

و تنظر من النافذة نحو العابرين

فتشعر

ببردٍ كثير

*

و لشارع الحمراء مزاجيته الحادة أحياناً

كأن يغمره حزنٌ شديد فجأةً

كما في وقع خطوات رجلٍ

يهم بمغادرة المدينة

أو شعورٌ شديدٌ بالذنب

كما في خطوات مراهقةٍ تلتقي حبيبها سرّاً

*

و لشارع الحمراء قصصٌ كثيرة

وحده يعرفها كلها

ولا يرويها لأحد

لكنك تستطيع و أنت تتأمل كراسي المقهى

في الساعة الثامنة صباحا

أو يافطة فندق

قرب منتصف الليل

أو الشبابيك الخضراء

لمنزلٍ قديم

تستطيع

أن تعرف بعضاً منها

*

و لشارع الحمراء طقوسه الخاصة في الصحو و النوم

فهو يصحو باكرا كل صباح

و لا يأخذ قيلولة

و يسهر معظم الأحيان

لكنه مثل الجميع

يشعر أحياناً بتعبٍ شديد

ومثل الجميع

يفكّر

أحياناً

بيوم الأحد

*

Wednesday, April 15, 2009

شارع الحمراء



يصحو باكرا
كل صباح
على وقع الأقدام
و أصوات المفاتيح
في الأقفال الحديدية
متثائباً
ينصت إلى الأصوات الخفيفة
قبل أن تبتلعها محرّكات السّيارات
*
لا يحفظ وجوه المارّة
لكنّه يعرف من وقع خطاهم
من يعبره يوميّاً
و من قلّما يأتي
و من عائدٌ بعد وقتٍ طويل
*
قلّما يأخذ قيلولةً
و يملّ أحياناً كثيرة
تشعر بذلك
من قيظٍ شديدٍ يحلّ فجأةً
أو من شعاعٍ خفيفٍ
يعبر زجاج كشك الهاتف
أو من كيس نايلون
يتحرّك بخفّةٍ قرب سيّارةٍ
على طرف الطريق
*
بالغ الجدّية أحياناً
كما وجه شحّاذٍ على الرّصيف
أو وقع مطرٍ غزيرٍ
على مظلّات مسرعة
عاديّ جدّاً أحياناً
كما صوت فلفشة الجرائد في المقاهي
و دخان السجائر المتلاشي في الهواء
*
في الّليل
هادئٌ نسبيّاً
تصله الموسيقى
و الضحكات العالية
و قصص الجالسين في الحانات
غالباً ما يسهر
لوقتٍ متأخّر
لكنّه
رغم ذلك
لا ينفكّ
يصحو باكراً
كلّ صباح

Sunday, January 11, 2009

لا تصدّقنا يا محمود

نشرت في شباب السفير

إنّنا كاذبون
لسنا نشعر بشيء بتاتاً
هذا التعاطف الذي نمارسه
يجب أن يثير إشمئزازك
هذا التضامن
رخيصٌ جدّاً
أرخص من ثمن أجرة التاكسي
الذي نستقلّه كل يوم
نحو بيوتنا الآمنة
أرخص من ثمن علكةٍ
نفرقعها في أفواهنا
و نحن نتذمّر من الملل
لسنا نشعر بشيء بتاتاً
كلّ ليلةٍ
نطفئ التلفاز
كما لو نغلق بوابتكم عليكم
نغفو بسهولةٍ شديدة
و حين نصحو
نلقي نظرة سريعةً
على الرقم الجديد
و ننطلق إلى يومنا العادي
بسهولةٍ شديدة
لا شك أننا نتحدث عنكم
بحزن و أسى
بينما نشرب قهوتنا المسائية
في مكانٍ ما
قبل أن ننتقل للحديث عن أشياء أخرى
كغلاء أجور البيوت
و زحمة السير
و برودة الطقس
و لا شك أنه يصعب علينا
أن نستوعب ما أنتم فيه
لأن سماءنا خاليةٌ إلا من الغيوم
و بحرنا شديد الهدوء
و شوارعنا
فيها سيارات تتوقف أمام الإشارات الحمراء
و أناسٌ يمارسون رياضة الركض كل مساء
صعبٌ أن نستوعب
لأن أطفالنا لا يخافون إلا العتمة و العناكب
و دماؤنا لا نراها
إلا إن جرح أحدنا يده بسكّين المطبخ
و لأننا لا نرى دخاناً
غير ذاك المتصاعد من سجائرنا
و لأن أجسادنا لا ترتجف
إلا من بردٍ
نعالجه بمدافئنا الكهربائية

ما أكثر ما أنت وحدك
حين تصحو مرعوباً
من نومك القصير
و حين تحصي عدد الغارات
التي أخطأت منزلك
ما أكثر ما أنت وحدك
حين تحدّق في سقف الغرفة
لتتأكّد أنّه لا يزال
حاول أن تبقى يا محمود
ضع رأسك تحت الوسادة
و دندن أغنيةً ما
أو صمّ أذنيك بكفّيك
و انظر من خلف نافذتك المتصدّعة
نحو السماء
تمنّ شيئاً
و حاول أن تصدّق أنه سيحدث